سورة الصافات - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{ولقد نادانا نوحٌ} أي: دعانا. وفي دعائه، قولان:
أحدهما: أنه دعا مستنصِراً على قومه.
والثاني: أن ينجيَه من الغرق {فَلَنِعْمَ المُجِيبونَ} نحن؛ والمعنى: إِنَّا أَنجيناه وأهلكنا قومه.
وفي {الكَرْب العظيم} قولان:
أحدهما: أنه الغرق.
والثاني: أذى قومه.
{وجعلْنا ذُرِّيَّتَه هُمُ الباقين} وذلك أن نسل أهل السفينة انقرضوا غير نسل ولده، فالناس كلهُّم من ولد نوح، {وتَرَكْنا عليه} أي: تَرَكْنا عليه ذِكْراً جميلاً {في الآخِرِين} وهم الذين جاؤوا بعده إلى يوم القيامة. قال الزجاج: وذلك الذِّكْر الجميل قوله: {سلامٌ على نوحٍ في العالَمِينَ} وهم الذين جاؤوا من بعده. والمعنى: تَرَكْنا عليه أن يُصَلَّى عليه في الآخِرِين إِلى يوم القيامة {إنَّا كذلك نَجْزي المُحسنِينَ} قال مقاتل: جزاه اللهُ بإحسانه الثَّناءَ الحَسَنَ في العالمين.


قوله تعالى: {وإِنَّ مِنْ شِيعته لإِبراهيمَ} أي: من أهل دِينه ومِلَّته والهاء في {شِيعته} عائدة على نوح في قول الأكثرين؛ وقال ابن السائب: تعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم، واختاره الفراء.
فإن قيل: كيف يكون من شيعته، وهو قبله؟.
فالجواب: أنه مِثل قوله: {حَمَلْنا ذُرْيَّتهم} [يس: 41] فجعلها ذُرِيَّتهم وقد سبقَتْهم، وقد شرحنا هذا فيما مضى [يس: 41].
قوله تعالى: {إِذ جاءَ ربَّه} أي: صدَّقَ اللهَ وآمَنَ به {بقَلْبٍ سَليمٍ} من الشِّرك وكلِّ دَنَس، وفيه أقوال ذكرناها في [الشعراء: 89].
قوله تعالى: {ماذا تعبُدونَ}؟ هذا استفهام توبيخ، كأنه وبَّخهم على عبادة غير الله. {أَإِفْكاً}؟! أي: أتأفِكون إِفْكاً وتعبُدون آلهةً سِوى الله؟! {فما ظنُّكم بربِّ العالَمِينَ} إِذا لقِيتمُوه وقد عَبَدتُم غيره؟!. كأنه قال: فما ظنُّكم أن يصنع بكم.
{فنَظَرَ نَظْرَةً في النُّجومِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه نظر في عِلم النجوم، وكان القومُ يتعاطَوْن عِلْم النُّجوم، فعاملهم من حيث هم، وأراهم أنِّي أَعلمُ من ذلك ما تعلَمونَ، لئلا يُنْكِروا عليه ذلك. قال ابن المسيّب: رأى نجماً طالعاً، فقال: إِنِّي مريض غداً.
والثاني: أنه نظر إلى النجوم، لا في عِلْمها.
فإن قيل: فما كان مقصوده؟.
فالجواب: أنه كان لهم عيد، فأراد التخلُّف عنهم لِيَكِيدَ أصنامَهم، فاعْتَلَّ بهذا القول.
قوله تعالى: {إِنِّي سقيم} من معاريض الكلام. ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن معناه سأَسْقُمُ، قاله الضحاك. قال ابن الأنباري: أَعْلَمَه اللهُ عز وجل أنَّه يَمْتَحِنُهُ بالسقم إِذا طلع نجمٌ يعرفه، فلما رأى النَّجم، عَلِم أنه سيَسْقُم.
والثاني: إِنِّي سقيم القلب عليكم إِذ تكهَّنتم بنجوم لا تضُرُّ ولا تَنْفَع، ذكره ابن الأنباري.
والثالث: أنه سَقُمَ لِعِلَّةٍ عرضتْ له، حكاه الماوردي. وذكر السديّ أنه خرج معهم إلى يوم عيدهم فلمّا كان ببعض الطريق، ألقى نفسه وقال: إِني سقيم أشتكي رجلي {فتولَّوا عنه مُدْبِرِينَ، فراغَ إِلى آلهتهم} أي: مال إِليها وكانوا قد جعلوا بين يديها طعاماً لتبارك فيه على زعمهم فقال إبراهيم استهزاءً بها {ألا تأكلُونَ}.
وقوله: {ضَرْباً باليمين} في اليمين ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها اليد اليمنى، قاله الضحاك.
والثاني: بالقُوَّة والقُدرة قاله السدي، والفراء.
والثالث: باليمين التي سبقت منه وهي قوله: {وتاللهِ لأَكيدَنَّ أصنامَكم} [الأنبياء: 57]، حكاه الماوردي.
قال الزجاج: {ضَرْباً} مصدر؛ والمعنى: فمال على الأصنام يضربها ضَرْباً باليمين؛ وإِنما قال: {عليهم}، وهي أصنام، لأنهم جعلوها بمنزلة ما يُمَيِّز.
{فأقْبَلُوا إِليه يَزِفُّون} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: {يَزِفُّونَ} بفتح الياء وكسر الزاي وتشديد الفاء. وقرأ حمزة، والمفضَّل عن عاصم: {يُزِفُّونَ} برفع الياء وكسر الزاي وتشديد الفاء. وقرأ ابن السّميفع، وأبو المتوكل، والضحاك: {يَزِفُونَ} بفتح الياء وكسر الزاي وتخفيف الفاء.
وقرأ ابن أبي عبلة، وأبو نهيك {يَزْفُونَ} بفتح الياء وسكون الزاي وتخفيف الفاء. قال الزجاج: أَعربُ القراءات فتح الياء وتشديد الفاء، وأصله من زفيف النَّعام، وهو ابتداء عَدْوِ النَّعام، يقال: زَفَّ النَّعام يَزِفُّ. وأمَّا ضم الياء، فمعناه: يصيرون إِلى الزَّفيف، وأنشدوا:
تَمَنَّى حُصَيْنٌ أن يَسُودَ جِذاعَه *** فأضحى حُصَيْنٌ قد أَذَلَّ وأَقْهَرَا
أي: صار إِلى القَهْر. وأمّا كَسْرُ الزّاي مع تخفيف الفاء، فهو من: وَزَفَ يَزِفُ، بمعنى أَسْرَعَ يُسْرِع، ولم يَعْرِفه الكسائي ولا الفراء، وعَرَفه غيرهما.
قال المفسِّرون: بلغهم ما صنع إبراهيم، فأسرعوا، فلمّا انتَهَوْا إِليه، قال لهم محتجّاً عليهم: {أتَعْبُدونَ ما تَنْحِتُونَ} بأيديكم {واللهُ خَلَقَكم وما تَعْمَلونَ}؟!، قال ابن جرير: في {ما} وجهان.
أحدهما: أن تكون بمعنى المصدر، فيكون المعنى: واللهُ خَلَقَكم وَعمَلَكم.
والثاني: أن تكون بمعنى الذي فيكون المعنى: واللهُ خَلَقَكم وَخلَقَ الذي تعملونه بأيديكم من الأصنام؛ وفي هذه الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله.
فلمّا لَزِمَتْهم الحُجَّة {قالوا ابنوا له بُنْياناً} وقد شرحنا قصته في سورة [الأنبياء: 52-74] وبيَّنَّا معنى الجحيم في [البقرة: 119] والكّيْدُ الذي أرادوا به: إِحراقُه.
ومعنى قوله: {فجعلْناهم الأَسفَلِينَ} أن إبراهيم علاهم بالحُجَّة حيث سلَّمه الله من كيدهم وحلَّ الهلاكُ بهم.
وقال يعني إبراهيم {إنِّي ذاهبٌ إلى ربِّي} في هذا الذَّهاب قولان:
أحدهما: أنه ذاهب حقيقة، وفي وقت قوله هذا قولان:
أحدهما: أنه حين أراد هِجرة قومه؛ فالمعنى: إنِّي ذاهب إلى حيث أمرني ربِّي عز وجل {سيَهدينِ} إلى حيث أمرني، وهو الشام، قاله الأكثرون.
والثاني: حين أُلقي في النّار، قاله سليمان بن صُرَد. فعلى هذا في المعنى قولان:
أحدهما: ذاهب إِلى الله بالموت، سيَهدينِ إلى الجَنَّة.
والثاني: ذاهب إلى ماقضى به ربي، سيَهدين إِلى الخَلاص من النّار.
والقول الثاني: إِنِّي ذاهب إلى ربِّي بقلبي وعملي ونيَّتي، قاله قتادة.
فلما قَدِم الأرض المقدَّسة، سأل ربَّه الولدَ فقال {ربِّ هَبْ لي من الصَّالحِينَ} أي: ولداً صالحاً من الصَّالحينِ، فاجتزأ بما ذكر عمّا ترك، ومثله {وكانوا فيه من الزاهدين} [يوسف: 20] فاستجاب له، وهو قوله: {فبشَّرْناه بغُلامٍ حليمٍ} وفيه قولان:
أحدهما: أنه إِسحاق.
والثاني: أنه إِسماعيل. قال الزجاج: هذه البِشارة تَدُلُّ على أنه مبشَّر بابنٍ ذَكَر، وأنه يبقى حتى ينتهيَ في السنّ ويوصَف بالحِلم.


قوله تعالى: {فلمّا بَلَغَ معه السَّعي} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المراد بالسعي هاهنا: العمل قاله، ابن عباس.
والثاني: أنه المشي، والمعنى: مشى مع أبيه، قاله قتاده. قال ابن قتيبة: بلغ أن يَنْصرفَ معه ويُعِينَه. قال ابن السائب: كان ابن ثلاث عشرة سنة.
والثالث: أن المراد بالسعي، العبادة، قاله ابن زيد؛ فعلى هذا، يكون قد بلغ.
قوله تعالى: {إِنِّي أَرى في المنام أنِّي أذْبَحُكَ} أكثر العلماء على أنه لم ير أنه ذبحه في المنام، وإنما المعنى أنه أُمِرََ في المنام بذبحه، ويدُل عليه قوله: {افعل ما تُؤْمَر}. وذهب بعضهم إلى أنه رأى أنه يعالج ذبحه، ولم يَرَ إِراقة الدَّم. قال قتادة: ورؤيا الأنبياء حَقٌّ، إِذا رأَوا شيئاً، فعلوه. وذكر السدي عن أشياخه: أنه لمّا بشَّر جبريلُ سارة بالولد، قال إبراهيم: هو إِذاً لله ذبيح، فلمّا فَرَغ من بُنيان البيت، أُتي في المنام، فقيل له: أَوْف بنَذْرك. واختلفوا في الذَّبيح على قولين:
أحدهما: أنه إِسحاق، قاله عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، والعباس ابن عبد المطلب، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأنس، وكعب الأحبار، ووهب بن منبّه، ومسروق، وعبيد بن عُمير، والقاسم ابن أَبي بَزّة، ومقاتل بن سليمان، واختاره ابن جرير. وهؤلاء يقولون: كانت هذه القصة بالشام. وقيل: طويت له الأرضُ حتى حمله إلى المَنْحَر بمِنىً في ساعة.
والثاني: أنه إسماعيل، قاله ابن عمر، وعبد الله بن سلام، والحسن البصري، وسعيد بن المسيّب، والشعبي، ومجاهد، ويوسف بن مهران، وأبو صالح، ومحمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن سابط. واختلفت الرواية عن ابن عباس، فروى عنه عكرمة أنه إسحاق، وروى عنه عطاء، ومجاهد، والشعبي، وأبو الجوزاء، ويوسف بن مهران أنه إسماعيل، وروى عنه سعيد بن جبير كالقولين. وعن سعيد بن جبير، وعكرمة، والزهري، وقتادة، والسدي روايتان. وكذلك عن أحمد رضي الله عنه روايتان. ولكلِّ قومٍ حُجَّة ليس هذا موضعها، وأصحابنا ينصُرون القول الأول.
الإِشارة إِلى قصة الذَّبْح: ذكر أهل العِلْم بالسِّيَر والتفسير أن إِبراهيم لمَّا أراد ذبح ولده، قال له: انطلِق فنُقرِّب قرباناً إلى الله عز وجل، فأخذ سِكِّيناً وحَبْلاً، ثم انطلق، حتى إِذا ذهبا بين الجبال، قال له الغلام: يا أبتِ أين قُربانُك؟ قال: يا بُني إِنِّي رأيتُ في المنام أني أذبحُك، فقال له: اشْدُد رِباطي حتى لا أضطرب، واكْفُف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أُمِّي فتحزن، وأَسْرِع مَرَّ السِّكِّين على حَلْقِي ليكون أهون للموت عليَّ، فإذا أتيتَ أُمي فاقرأ عليها السلام منِّي؛ فأقبل عليه إبراهيم يقبِّله ويبكي ويقول: نِعْمِ العونُ أنت يا بُنيَّ على أمر الله عز وجل، ثم إنه أَمَرَّ السِّكِّين على حَلْقه فلم يَحْكِ شيئاً.
وقال مجاهد: لمّا أَمَرَّها على حَلْقه انقلبتْ، فقال: مالكَ؟ قال: انقلبتْ. قال: اطْعَنْ بها طَعْناً. وقال السدي: ضرب اللهُ على حَلْقِِهِ صفيحة من نُحاس؛ وهذا لا يُحتاج إِليه، بل منعُها بالقُدرة أَبلَغ. قالوا: فلمّا طَعَنَ بها، نَبَتْ، وعَلِم اللهُ منهما الصِّدق في التسليم، فنودي: يا إبراهيمُ قد صَدَّقْتَ الرُّؤيا، هذا فداءُ ابنك؛ فنظر إِبراهيم فإذا جبريل معه كبش أملح.
قوله تعالى: {فانْظُرْ ماذا تَرَى} لَمْ يَقًل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله عز وجل. ولكن أراد أن يَنْظُر ما عنده من الرَّأي. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: {ماذا تُرِي} بضم التاء وكسر الراء؛ وفيها قولان:
أحدهما: ماذا تُريني من صبرك أو جَزَعك، قاله الفراء.
والثاني: ماذا تُبِين، قاله الزجاج. وقال غيره: ماذا تُشير.
قوله تعالى: {افْعَلْ ما تُؤمَر} قال ابن عباس: افْعَلْ ما أُوحي إِليك من ذبحي {ستَجِدُني إِن شاءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ} على البلاء.
قوله تعالى: {فلمّا أَسْلَما} أي: استسلمَا لأمر الله عز وجل فأطاعا ورضيا. وقرأ عليّ، وابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، والأعمش، وابن أبي عبلة: {فلمّا سَلَّما} بتشديد اللام من غير همز قبل السين؛ والمعنى: سَلَّما لأمر الله عز وجل.
وفي جواب قوله: {فلمّا أَسلَما} قولان:
أحدهما: أن جوابه: {وناديناه}، والواو زائدة، قاله الفراء.
والثاني: أن الجواب محذوف لأن في الكلام دليلاً عليه؛ والمعنى: فلمّا فعل ذلك سَعِدَ وأُجْزِلَ ثوابُه، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وتَلَّهُ للجَبين} قال ابن قتيبة: أي صَرَعه على جبينه فصار أحد جبينيه على الأرض، وهما جبينان، والجبهة بينهما، وهي ما أصاب الأرضَ في السجود، والناس لا يكادون يفرِّقون بين الجبين والجبهة، فالجبهة مسجد الرجل الذي يصيبه نَدَبُ السُّجود، والجبينان يكتنفانها من كل جانب جبين.
قوله تعالى: {وناديناه} قال المفسرون: نودي من الجبل {ياإِبراهيم قد صدَّقتَ الرُّؤيا} وفيه قولان:
أحدهما: قد عَمِلْتَ ما أَمَرْتُ، وذلك أنه قصد الذَّبح بما أمكنه، وطاوعه الابن بالتمكين من الذَّبح، إلاّ أن الله عز وجل صرف ذلك كما شاء، فصار كأنه قد ذَبَح وإِن لم يتحقَّق الذَّبح.
والثاني: أنه رأى في المنام معالجة الذَّبح، ولم ير إراقة الدَّم، فلمّا فَعَلَ في اليقظة ما رأى في المنام، قيل له: {قد صدَّقْتََ الرُّؤيا}.
وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو عمران، والجحدري: {قد صَدَقْتَ الرُّؤيا} بتخفيف الدال، وهاهنا تم الكلام. ثم قال تعالى {إنّا كذلك} أي: كما ذَكَرْنا من العفو من ذبح ولده {نَجْزِي المُحْسنِينَ}.
{إِنَّ هذا لَهُوَ البلاءُ المُبِينُ} في ذلك قولان:
أحدهما: النِّعمة البيِّنة، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والثاني: الاختبار العظيم، قاله ابن زيد، وابن قتيبة. فعلى الأول، يكون قوله هذا إِشارة إلى العفو عن الَّذبح.
وعلى الثاني، يكون إشارة إِلى امتحانه بذبح ولده.
قوله تعالى: {وفَدَيْناه} يعني: الذَّبيح {بِذِبْحٍ} وهو بكسر الذال: اسم ما ذُبِحَ، وبفتح الذال: مصدر ذَبَحْتُ، قاله ابن قتيبة. ومعنى الآية: خلَّصْناه من الذَّبح بأن جعلنا الذّبح فداءً له. وفي هذا الذِّبح ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان كبشاً أقرن قد رعى في الجنة قبل ذلك أربعين عاماً، قاله ابن عباس في رواية مجاهد، وقال في رواية سعيد بن جبير: هو الكبش الذي قرَّبه ابنُ آدم فتُقُبِّل منه، كان في الجنة حتى فُدي به.
والثاني: أن إبراهيم فدى ابنه بكبشين أبيضين أعينين أقرنين، رواه أبو الطفيل عن ابن عباس.
والثالث: أنه ما فُدي إِلاّ بتيس من الأَرْوَى، أهبط عليه من ثَبِير، قاله الحسن.
وفي معنى {عظيم} أربعة أقوال:
أحدها: لأنه كان قد رعى في الجنة، قاله ابن عباس، وابن جبير.
والثاني: لأنه ذُبح على دِين إبراهيم وسُنَّته، قاله الحسن.
والثالث: لأنه مُتَقَبَّلٌ، قاله مجاهد. وقال أبو سليمان الدمشقي: لمّا قرَّبَه ابنُ آدم، رُفِع حيّاً، فرعى في الجنة، ثم جُعل فداء الذَّبيح، فقُبِل مرتين.
والرابع: لأنه عظيم الشَّخص والبَرَكة، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {وتَرَكْنا عليه} قد فسرناه في هذه السورة [الصافات: 78].
قوله تعالى: {وبشَّرْناه بإسحاق} من قال: إن إسحاق الذَّبيحُ، قال: بُشِّر إبراهيم بنبوَّة إسحاق، وأُثيب إسحاق بصبره النبوَّةَ، وهذا قول ابن عباس في رواية عكرمة، وبه قال قتادة، والسدي. ومن قال: الذَّبيح إسماعيل، قال: بشَّر اللهُ إبراهيم بولد يكون نبيّاً بعد هذه القصة، جزاءً لطاعته وصبره، وهذا قول سعيد ابن المسيب.
قوله تعالى: {وباركْنا عليه وعلى إسحاق} يعني بكثرة ذُرِّيَّتهما، وهم الأسباط كلًّهم {ومِنْ ذُرِّيَّتهما مُحْسِنٌ} أي: مطيع لله {وظالمٌ} وهو العاصي له. وقيل: المُحْسِنُ: المؤمِن، والظالم: الكافر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5